ستواصل الولايات المتحدة عملية الضغط على سوريا ولبنان. ويخطئ كل من يعتقد أن هذا الضغط سيتراجع في سياق مقايضة. إن أي <> سوري أميركي حول العراق، وأي علاقة تصل إليها دمشق مع المقاومة الفلسطينية، لن يغيّرا الكثير من الحملة المستمرة المتخذة القرار 1559 عنواناً لها.
للقرار المشار إليه وظيفتان.
الأولى بينهما أنه أداة ضغط لفك أي ارتباط للبلدين بالحربين الطاحنتين الجاريتين في المنطقة: حرب إسرائيل لتبديد الفلسطينيين سياسياً وحرب الولايات المتحدة للسيطرة على العراق. وربما كان الحديث عن <> قاصراً عن وصف المراد تحقيقه. إن المقصود فعلاً هو نقل لبنان للدوران في الفلك الأميركي لحظة التماهي الكبير بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وينتج عن ذلك استكمال تطويق سوريا من أجل أن ترضخ للحل الإسرائيلي للجولان. ولقد <> شاوول موفاز، أول من أمس، في تعريف ما تريده إسرائيل: اختفاء <>، سلام مع سوريا في ظل الاحتلال والاستيطان في الجولان، التخفف من العبء الفلسطيني الديموغرافي في غزة، ترك الاستيطان في الضفة يرسم الحدود التوسعية لإسرائيل بحيث تضم القدس والكتل الكبرى وغور الأردن. ولا يخفي موفاز أن <> توفر لإسرائيل هامش مناورة واسعاً.
هذه إحدى وظيفتي القرار 1559، لو كانت هذه هي الوظيفة الوحيدة لكان مسموحاً نشوء الوهم القائل باحتمال المساومة. إلا أنه من الواضح أن للقرار وظيفة أخرى، وظيفة استباقية.
إن ما تسعى إليه الدول الراعية للقرار 1559 هو الدفع نحو وضع سوري لبناني يعزز، وفي القريب العاجل، قدرة تصعيد الضغط على إيران من أجل حسم الموضوع النووي كمدخل إلى حسم الموضوع الإيراني بالكامل وصولاً إلى تحقيق أمنية موفاز بعلاقات مع طهران تشبه تلك التي كانت قائمة مع الشاه.
نعم ثمة وظيفة إيرانية للقرار 1559.
هناك تباينات معروفة في أوساط النخبة الأميركية حيال السلوك الواجب اتباعه حيال إيران. وهناك تباينات بين الإدارة الحالية وبين حلفائها الأوروبيين. ولكن، في المقابل ثمة توافق على خطوط حمراء أبرزها، في الحد الأدنى، عدم امتلاك إيران السلاح النووي، وفي حدها الأقصى، عدم امتلاك إيران التكنولوجيا النووية الجديرة بهذا الاسم.
وليس سراً على الإطلاق أن الموضوع الإيراني، وبغض النظر عمّا يحصل في العراق، سيكون الموضوع الرئيسي للسياسة الخارجية الأميركية بعد الانتخابات. والملاحظ أن أحد أبرز المتشددين الأميركيين جون بولتون (من أقطاب <>) أبدى مرونة في ما يمكن لمجلس الأمن صنعه في حال أحيل الملف الإيراني إليه (لا عقوبات فورية ولا قرار بالحرب). لم يفعل ذلك لأنه اعتدل فجأة. فعل ذلك ليسهّل على الأوروبيين (والروس؟) ملاقاة الولايات المتحدة بعد 25 تشرين الثاني موعد صدور التقرير الجديد عن إيران.
إن أفغانستان متجهة نحو انتخابات في ظل ازدياد، ولو محدوداً، للتواجد العسكري الأميركي والأطلسي. والمؤتمر الدولي حول العراق قد يعقد بمشاركة إيرانية قبل البت بمصير الانتخابات العراقية. وإذا كان هناك من يعتقد أن تعاون طهران ضروري في هذين الملفين فإن ذلك لا يلغي إطلاقاً القرار المتخذ بفصل مسار <> الإيراني عن مسار <> الإيراني في الأزمات الإقليمية، تماماً كما أن مسار <> السوري في العراق مفصول عن مسار الوجود والنفوذ السوريين في لبنان.
إن أي استراتيجي غربي، أميركي أو فرنسي أو بريطاني، يحترم نفسه يدرك أن تنفيذ القرار 1559، عدا فوائده في ما يخص حربي فلسطين والعراق، حيوي جداً من أجل تهيئة المسرح لتصعيد الضغط على إيران.
لقد باتت اللازمة المتكررة عند الحديث عن إيران أن لا مجال للسماح لها بامتلاك سلاح نووي وأن الخيارات كلها مفتوحة من أجل تنفيذ هذا <>.
إذا كانت هذه الخيارات مقتصرة على الضغط الدبلوماسي فمن الأفضل أن يحصل ذلك في ظل سوريا المطوّقة و<> المحاصر. ولكن من يلوّح فعلياً باحتمال اللجوء إلى خيار عسكري (إسرائيلي أو أميركي) عليه أن يبدأ من دمشق وبيروت ومن الجنوب اللبناني. إن هذا المحور يحمل قابلية، قابلية جدية، لأن يشكل صلة الوصل الجاعلة من أي عدوان أجنبي على إيران أزمة إقليمية في غاية الخطورة تهدد باشتعال جبهات واسعة وتعيد تقديم أي نزاع بصفته حرباً إسرائيلية غربية على العرب والمسلمين.
إن الوظيفة الاستباقية للقرار 1559، أكثر من غيرها أو، على الأقل، بموازاة غيرها، تجعل من المستحيل الرهان على تراخي الضغط على سوريا ولبنان من دون أن يكون اتضح مصير الوضع الإيراني.
إن تسليط الضغط على سوريا ولبنان يرمي إلى حل العقدة التي تنجدل فيها الحربان الجاريتان في المشرق العربي مع الحرب المحتمل وقوعها إلى شرق هذا الشرق حتى لو اتخذت شكل تصعيد الحصار وصولاً إلى استسلام كامل من جانب طهران.
ربما يساعد ما تقدم في توضيح تراجع التباينات الأوروبية الأميركية وفي إظهار أن الانتخابات الأميركية قد لا تكون بين حزبين وإنما داخل حزب واحد يملك رأسين.
ومع ذلك نجد في لبنان من يعتبر أن المشكلة التي أثارت العالم هي تعديل الدستور والتمديد لإميل لحود. إن هذا التضخم <> عنصر تعطيل لكل نقاش. لقد دخل البلد في حيز استراتيجيات معقدة في ظل وجود اقتناع راسخ لدى البعض بأن لقاء <> هو الدولة السادسة التي تملك حق النقض على قرارات مجلس الأمن بما فيها 1559!
إن الأجدى ب<> أن يشرح لنا كلفة الموقع الإقليمي الحالي للبنان، وأن يقنعنا بأن تحييد البلد ممكن في ظل الإعصار. إنه يملك حججاً قوية في هذا المضمار. إلا أنه يغفل ذلك رافضاً رفع النقاش إلى هذه السوية ومصراً على هذه القراءة <> للتطورات.
الإغفال والرفض ليسا بريئين. هناك ما هو مضمر، والمضمر هو موضوع الخلاف الفعلي.
إن <> ليس أفضل حالاً. ثمة قوى فيه تعتبر أن رفع مستوى الشراهة يجب أن يتناسب مع تدني أيام <>.